Friday, June 17, 2005

هذه قصة الأمير فاوست



نَقصُ الحقَائق و نَختصر التفَاصيل ، فالملك مات مقتولاً ضحية مؤامرة دبرها الأخ و تعاونت معه الزوجة و عَاد الأمير الشَاب من الخَارجِ ليجد الأمَ قد صارت زوجة للملك الجديد و الأخ القَاتل ، ظَهر شبح الأبِ للابن و خَبره بالحقيقةِ ، فَكر الأمير في الانتقام لكن ثقل الذنب و فداحة الجرم شلهُ ، نَشبت الحيرةُ مخالبها في صدره و هجره النوم ، كاد عَذاب النفسِ يفتك به .
هل يقتل عمه و أمه التى حملته في بطنها تسعة أشهر ، أم يظل هَارباً من شبحِ والده الذى يطارده مُطالباً بالثأر من أجل الدم و العرش ، كان الشبح لا يتوقف كل لحظة عن الاقتراب من أذنه و الهمس مُنشداًً :
(( لم أكن غَازياً
لم أكن أتسلل قرب مضاربهم
أو أحوم وراء التخوم
لم أمد يدي لثمار الكروم
أرض بستانهم لم أطأ

لم يصح قاتلي بي : (( انتبه )) !
كان يمشى معي ..
ثم صافحني ..
ثم سار قليلاً
و لكنه في الغصونِ اختبأ
))
بهذا الأغنية كان الأمير يَحفر مَشهد مقتل الأب في عقله ، بهذا الأغنية كان الشبح يستثير كرامة الابن و غضب الأمير ليثأر للملك و الدم الذى سُفح هدراً .

حَاصرت الأشباحُ الأمير و هَاجمته الحمى ، فهرب متسللاً خارج القصر تحت ستار الليل ، قَال (( قلبي تنهشه الذئاب ، و فراشي تنجسه أمي ، و طعامي يسممه عمى .. ليس لي حياة هاهنا ))

لكن الألم ظل يصاحبه ، و الأشباح لا تتوقف عن زيارتها ، و في الليل كان يرى أمه عَارية تُرضع القَاتل من ثديها ، قَال (( أنى مريض ، هروبي من الماضي و قلقي من الحياة سيأكل روحي ، لأمشى بحثاً عن دوائي ))
دلوه على صيدلياً يُتقن فن الكيمياءِ و عنده لكل داء دواء يسكنُ في مغارةِ على مشَارف الصحراءِ ، ذَهب للصيدلي فوجده قد فقد اتزانه و أشيب شعره و سَال اللعب من فمه و لم يعد يعي من الدنيا شئ سوى عناصره و لا يبغى هدف سوى الوصول إلى حجر الفلاسفة الذى به يملك الذهب ، تركه الأمير و سأل خَادم الصيدلي أين أجد دواء لدائي ، فقال الخادم في وجل :
-لقد جُن سيدي و فقد قلبه و عقله معاً لكن اتبع الشمس في غروبها حتى تصل إلى عرافٍ يسكن جزيرة تقع في أخر البحر حيث هناك تغرق الشمس كل يوم في المياه .

خرج للبرية و مشى يتبع الشمس في رحلة غروبها ، خاض مغامرات و عبر أهوال و وديان و جبال و في النهاية ركب البحر طَالباً العراف حتى وصل إليه ، مُنهكاً تُغطية قشرة رقيقة من أملاح البحر و رمَاله ، قَال للعرافِ :
-يا سيدي لقد أنهكني الألم و شقت على صدري حيرتي و عارى ، أريد أن اخلع عن نفسي ذلك القلب أن أقضى حياتي خالي البال متمدداً في كسلي بل أى أحساس يثقل صدري أو يسبب الاضطراب لعقلي .
"الجسد مصدر الشرور و الرغبات و الأمر هين أعطني جسدك فقط و أنا أريحك من عناء الماضي و الحاضر و أمنحك حياة خالدة اجعلها لك برداً و سلام" قَال العرافُ و خَلع عَباءته فكان الشيطان يجلس على عرشٍ تُظلله الشمس و القمر و عرف الأمير أنه هنا قد وصل لخطٍ لا عودة منه ، فغمس رأسه في مياه المطهر ، و بالخنجر الفضي سفح قطرات من دمه على المذبح ، ضَمد له الشيطان جرحه و فرد أمَامه ذراعيه في اليمين الشمس و في اليسار القمر و همس في أذنه "حققت وعدى فأعطني أمانتي "
فتح الأمير عينه فكان قلبه صافياً كقطرةِ مطر ، و روحه خفيفة كإله صغير و عيناي الشيطان تحدق فيه .


أغمض الشيطان عينيه فكان الظلام ، و حين فَتح الأمير عينيه ، كان يجلس فوق عرش حَجري مُغطى بالذهب في مدينةِ ذَهبية لا يُدركها البشر ، كان جَسده هشاً و بالأحرى غير موجود ، أخذ الشيطان جسده و خرج ، و تركه كيان يملك كل شئ و لا يملك أى شئ . تحيطه الثروة من كل جانب لكنه ليست في قبضته ، يرحل في الزمانِ و المكَانِ و يُسَافر هناك و يسير من هنا ، لكن فقد بقلبه كما الملائكة ، لا يُكلم و لا يتكلم ، يرى البشر و لا يراه أحد ، و حيداً يتدثر بحزنه فوق عرشه في مدينة الذهب .


و في يومٍ ، مر بجوار النبع فشاهد الراهبة تتحرر من ملابسها و تغطس في مياه الجدول ، بيضاء صافيه كما اللؤلؤة ، كانت الراهبة قد و هبت قلبها للرب ، فوهبها عين زرقاء كما السماء ترى بها ما لا يره غيره ، و أراد ربك أن يقضى أمر كان مفعولا ، فلما لمحته غطت عريها و سألته دون وجل " ماذا تفعل أيها الحزين فاوست ؟!" .
نقص الحقائق و نختصر التفاصيل ، كان العشق قطعة من قلب الشمس ، أحرقت قلب الحزين فاوست ، و جلست الراهبة ما بقي من عمرها في انتظاره ، لأجل هذا يزين لكم الشيطان الشهوات ، لكنه لا يمنح السكينة.