Sunday, May 29, 2005

حُـــلــم


بالأمس استيقظت مبللاً سروالي ، تحسست اللزوجة و تعجبت لأمري ، حاولت تذكر أى شئ مما حلمت به لكنى فشلت .
شربت القهوة و تناولت الفطور مبكراً كما تعودت ، ثم خرجت متجهاً إلى المكتبة حيث مقر عملى ، في الطريق مررت بحديقة صغيرة ذات مقاعد خشبية نٌقش عليها زهور و أغصان صغيرة فجلست أتأمل البشر في حركتهم الخاملة تحت ظل شروق الشمس ، أخرجت سيجارة و أخرجت الدخان من فمي ، حينها أغمضت عيني فرأيت شريط حياتي يمر في أقل من اللحظة لأرى نفسي طفلاً فصبياً فشاب يخرج لاستكشاف العالم بصحبة طوربارا فأميناً في مكتبة دار الحكمة ، فمطلع على الأسرار العشرة و ها أنا عجوز يجلس في حديقة مقفرة على كرسى خشبي مُحلي بنقوش بارزة من الزهور و الأغصان أمضغ الحياة ببطيء يناسب حكيم مثلي يحمل لقب كبير أمناء مكتبة دار الحكمة .

Thursday, May 26, 2005

كيف خرج طوربارا في طلب الحكمة؟


في ذلك العصر كان البَشر يسَافرون على أبسطةِ سِحرية تُحلق في الهواء ، و يَمتطون أحصنةَ مُجنحةَ تَتعدد ألوانها بين الأبيض و الأحمر ، و طوربارا صبي يَافع نَبتت لحيته منذ يومين ، يُحب امرأتين واحده شَابة في هشَاشةِ زهرة تَخطو في الرَابعة عَشر من عمرها و الأخرى سَيدة تَحترقُ بوهجِ الثَانية و الثلاثين .
في الصبية كان الطُهر و البَراءة مُجَسداً في وجهها الرَهيف الذى نَحلهُ العشقُ ، و في السيدة كانت عَربة الرغبة تَجرها خيول مُتَوحشة و بَاب الجَنة مَفتوحاً على مصرعيه لاستقبَال الفتى الذى نَضجت لحيتهُ مُنذ يومين .

ظل طوربارا طَويلاً غَارقاً في الحيرة ، عَاجزاً عن الاختيَار بين القلبين مُتردداً أيهما يَخسر ، في النهَاية خَرج من المَدينة هَارباً من حيرة الحبِ ، عَبر ثلاثة أنهارَ و سبعة قُري صغيرة وَاحده منهن كانت مُصَابة بالطَاعون ، ثُم دَخل في أحدى صباحات السبت غَابة كثيفة الأشجار ، تَحجب أغصانها المُورقة الشمس ، هَبط عليه الليلُ و الضبابُ ، تَاه في الغَابة ، و دون أن يدرى وَجد نفسهُ في حفرةِ عَميقةِ ، فَخ نَصبه أحد الصيَادين لاصطياد الدَببة ، عند الفجر ، أنقذه قرد تصفه قَبيلته بالحمقِ من الفخِ و دَلهُ على طريقِ الخروجِ من الغابةِ فَصار عَكس اتجاه غرُوب الشمس يَتبع العلامات التى دله عليها القرد ، و يَقتفى أثر أزهَار البنفسج الصغيرة ، قَابل في الطريق رجل طويل الأظافر شعره أسود و يدعى جون يقف رافعاً يده للسماء ، ظنه ينتظر المطر لكن لم يلتفت إليه أكمل طريقة حتى وصل لنهاية الغَابة فَوجد هَضبة صغيرة تَنتصب عليها أسوار قلعة من الذهبِ الخَالصِ .

بَهرهُ الذَهبُ بضوئه الأصفر فَتقدم مَسحُوراً حتى وَصل إلى البوَابةِ فَوجدها مَفتُوحة بلا حرس ، تَعجب ، لكنه أكمل طريقه كل شئ في الدَاخل من الذهب ، البيوت ، الشَوارع ، الأشجَار ، العربات ، الزهور ، عَواميد الإنَارة ، أسلاك الكَهرباء ، غُبَار الأرضِ ، أسَوار الحَدائق ، كُل شئ من الذَهب لكن بلا بشر ، بَحث عن المَاء ، فلم يجد أثر للحيَاة ، أبصر قَصراً فخيم عظيم الهيئة و المعمار يَنتصب عَالياً فَتقدم نحوه ، دخل من بَابِ الحديقة ذات النجيل و الأشجَار الذهبية إلى بابِ القصرِ الخَشبي المُطَعم بسبعةِ حجَارة ضخَام من الزُمرد و العَقيق ، صَعد بَعدهُ سَبع و سبعين درجة ، ثم دَلف لقَاعة دائرية عَظيمة الأركان جَلس في صدرها شَاب لطيف الملامح يجلس على العرشِ ، سأله عن مُبتغاة فَرد عليه قائلاً (( أنه جاء يبَحث عن السكينة ، هارباً من خيارات الحياة المتعددة و قلقها )) .
كان الأمير عَرضه صريحاً و واضحاً كنصلِ السيفِ :
-خُذ مُلكي واجلس على العرش حَارساً مَدينتي ، لا يُصيبك المَرض و لا الجوع أو العطش و لا الهرم أو الموت ، خَالداً تتأمل الحياة كخيالِ الظل بلا القلق ، و كل ما تلمسه يدك يصير من الذهبِ .

قَال لنفسه (( هذا ما كنا نَبغي )) و جَلس على الْعرشِ بينما خرج الأمير الّشَاب (( فاوست )) يبحثُ عن عذراء تَسكن أحد أديرة الجنوب .

مَرت عليه في جلسته قرون طَويلة صَامتة كان حياً لكن لم يكن ليشعر إلا أن هذا كان ما هو قد اختاره حتى الملل لم يكن ليدركه وهو على حَالته تلك ، أغمض جفنيه و حين رفعهما في تثاقل المُطمئن كانت أصوَات صرخَات عَظيمة تَصم الآذان تخترقه من كل جَانب ، نَظر من النَافذةِ فَشَاهد أمواج المُحيط تُغرق كل شئ و تتقدم بقوة في اتجَاه مدينته ، صَعد إلى أعلى قمة تَعصمهُ من المياهِ و وقف على قبةِ القصر .
كانت أسَوار المدينة قد كَسرت من عنفوان الموج ، لكن المطر يهطل بغزارة و الأرض تفيض بالمَاءِ من كل شق ، و البحر مُحيط من كل صَوب . رَمى بصره فلم يلمح سوى نقطة سوداء تُصارع المُوج في أخر حدود البصر ، و حين أغرقت الميَاه كل شئ و وصلت لركبتيه ، كانت السّفينة تَتقدم نحوه ، سَبح في مياهِ البحر السودَاءِ و رَمى القبطَان له بحبلِ ، و من على سَطح السفينةِ شَاهد مَدينته الذَهبية و قد اختفت تحت المَوج فقَال له القبطَان الحَكيم :
-كُل شئ قد مضى و لم يبق إلا الله
فَسجد شَاكراً و دخل لصومعة في السفينة حيث ظل أربعين يوماً و ليلة يَتعبد للواحد الأحد.

و حين رست السفينةُ على الجودي ، سَمع صوتاً يُحَادثه
" هذا أمْرنا ، لنجعلك عَبرة لمن غوى ، فَاخرج لا مسَاس و لا تَثريب عَليك و اطلب الله في الأرضِ و حَدث الناسَ بالحكمةِ الحسنةِ ، خُض التجربةَ و اطلب العون من الله "
فَخرج ......